فصل: تفسير الآية رقم (120)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، مُعَرِّفَهُمْ سَبِيلَ النَّجَاةِ مِنْ عِقَابِهِ، وَالْخَلَاصِ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏، بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏(‏اتَّقُوا اللَّهَ‏)‏، وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَتَجَنُّبِ حُدُودِهِ ‏(‏وَكُونُوا‏)‏ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، تَكُونُوا فِي الْآخِرَةِ ‏{‏مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، فِي الْجَنَّةِ‏.‏ يَعْنِي‏:‏ مَعَ مَنْ صَدَقَ اللَّهَ الْإِيمَانَ بِهِ، فَحَقَّقَ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ فِيهِ، الَّذِينَ يُكَذِّبُ قِيلُهُمْ فِعْلَهُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ مَعْنَاهَا فِي الْآخِرَةِ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 69‏]‏‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمُنَافِقِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ نَافِعِهِ بِأَيِّ وُجُوهِ الْكَوْنِ كَانَ مَعَهُمْ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلَا عَمَلَهُمْ‏.‏ وَإِذَا عَمِلَ عَمَلَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ مِنْهُمْ، كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، وَلِتَوْجِيهِ الْكَلَامِ إِلَى مَا وَجَّهْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ، فَسَّرَ ذَلِكَ مَنْ فَسَّرَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَكُونُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَوْ‏:‏ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُهَاجِرِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَهُ فِي تَأْوِيلِهِ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ نَافِعٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَبَّوَيْهِ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقَمِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ قِيلَ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَصْحَابِهِمَا، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ الصَّادِقِينَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَؤُهُ‏:‏ ‏"‏ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ ‏"‏، وَيَتَأَوَّلَهُ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ عَنِ الْكَذِبِ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،

عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَحِلُّ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ‏:‏ ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ ‏"‏، قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ هِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏"‏ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏"‏، فَهَلْ تَرَوْنَ فِي الْكَذِبِ رُخْصَةً‏؟‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، نَحْوَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الْكَذِبُ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِين‏"‏ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَهَلْ تَرَوْنَ مِنْ رُخْصَةٍ فِي الْكَذِبِ‏؟‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي هَزْلٍ وَلَا جِدٍّ‏.‏ ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا‏}‏، مَا أَدْرِي أَقَالَ‏:‏ ‏"‏مِنَ الصَّادِقِين‏"‏ أَوْ ‏{‏مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، وَهُوَ فِي كِتَابِي‏:‏ ‏{‏مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّحِيحُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ نَافِعٍ وَالضَّحَّاكِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ رُسُومَ الْمَصَاحِفِ كُلَّهَا مُجْمِعَةً عَلَى‏:‏ ‏{‏وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ لِأَحَدٍ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا‏.‏

وَتَأْوِيلُ عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ- تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِوَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ‏}‏، سُكَّانِ الْبَوَادِي، الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، أَنْ يَتَخَلَّفُوا فِي أَهَالِيهِمْ وَلَا دَارٍ لَهُمْ، وَلَا أَنْ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فِي صُحْبَتِهِ فِي سَفَرِهِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ، وَمُعَاوَنَتِهِ عَلَى مَا يُعَانِيهِ فِي غَزْوِهِ ذَلِكَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هَذَا ‏(‏بِأَنَّهُمْ‏)‏، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ، وَبِسَبَبِ أَنَّهُمْ ‏{‏لَا يُصِيبُهُمْ‏}‏، فِي سَفَرِهِمْ إِذَا كَانُوا مَعَهُ ‏(‏ظَمَأٌ‏)‏، وَهُوَ الْعَطَشُ ‏{‏وَلَا نَصَبٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَعَبٌ ‏{‏وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ وَلَا مَجَاعَةً فِي إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَنُصْرَتِهِ، وَهَدْمِ مَنَارِ الْكُفْرِ ‏{‏وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ أَرْضًا، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَطَئُونَ أَرْضًا

‏{‏يَغِيظُ الْكُفَّارَ‏}‏، وَطْؤُهُمْ إِيَّاهَا ‏{‏وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يُصِيبُونَ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّهِمْ شَيْئًا فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ ثَوَابَ عَمَلٍ صَالِحٍ قَدِ ارْتَضَاهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِ اللَّهَ لَا يَدَعُ مُحْسِنًا مِنْ خَلْقِهِ أَحْسَنَ فِي عَمَلِهِ فَأَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَهُ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ، أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَيُثِيبَهُ عَلَى صَالِحِ عَمَلِهِ‏.‏ فَلِذَلِكَ كَتَبَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ- الثَّوَابَ عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَ، فَلَمْ يُضَيِّعْ لَهُ أَجْرَ فِعْلِهِ ذَلِكَ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ مَحْكَمَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ إِذَا غَزَا خِلَافَهُ فَيَقْعُدَ عَنْهُ، إِلَّا مَنْ كَانَ ذَا عُذْرٍ‏.‏ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ، فَإِنَّ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّفَ خِلَافَهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏، هَذَا إِذَا غَزَا نَبِيُ اللَّهِ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ‏.‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَكِنِّي لَا أَجِدُ سَعَةً، فَأَنْطَلِقُ بِهِمْ مَعِي، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَوْ أَكْرَهُ أَنْ أَدَعَهُمْ بَعْدِي‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ

الْأَوْزَاعِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَالْفَزَارِيَّ وَالسَّبِيعِيَّ، وَابْنَ جَابِرٍ وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، إِنَّهَا لِأَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلْتُ وَفِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ قِلَّةٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا نَسَخَهَا اللَّهُ، وَأَبَاحَ التَّخَلُّفَ لِمَنْ شَاءَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 122‏]‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا حِينَ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَلَمَّا كَثُرَ الْإِسْلَامُ بَعْدُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 90‏]‏‏.‏ ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ‏}‏، الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا لِمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ قَعَدُوا عَنِ الْجِهَادِ مَعَهُ، أَنْ يَتَخَلَّفُوا خِلَافَهُ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَدَبَ فِي غَزْوَتِهِ تِلْكَ كُلَّ مَنْ أَطَاقَ النُّهُوضَ مَعَهُ إِلَى الشُّخُوصِ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ، أَوْ أَمَرَهُ بِالْمَقَامِ بَعْدَهُ‏.‏ فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الشُّخُوصِ التَّخَلُّفُ‏.‏ فَعَدَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ، فَأَظْهَرَ نِفَاقَ مَنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ مِنْهُمْ نِفَاقًا، وَعَذَرَ مَنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ لِعُذْرٍ، وَتَابَ عَلَى مَنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ تَفْرِيطًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ

فِي أَمْرِ اللَّهِ، إِذْ تَابَ مِنْ خَطَأِ مَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْفِعْلِ‏.‏ فَأَمَّا التَّخَلُّفُ عَنْهُ فِي حَالِ اسْتِغْنَائِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ كَرَاهَةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ‏.‏ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ إِزَاءَ إِمَامِهِمْ‏.‏ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى جَمِيعِهِمُ النُّهُوضُ مَعَهُ، إِلَّا فِي حَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِمْ، لِمَا لَا بُدَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنْ حُضُورِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ وَاسْتِنْهَاضِهِ إِيَّاهُمْ، فَيَلْزَمُهُمْ حِينَئِذٍ طَاعَتُهُ‏.‏

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ، لَمْ تَكُنْ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى، إِذْ لَمْ تَكُنْ إِحْدَاهُمَا نَافِيَةً حُكْمَ الْأُخْرَى مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ، وَلَا جَاءَ خَبَرٌ يُوَجِّهُ الْحُجَّةَ بِأَنَّ إِحْدَاهُمَا نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْمَخْمَصَة‏"‏ وَأَنَّهَا الْمَجَاعَةُ بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏النَّيْل‏"‏ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏نَالَنِي يَنَالُنِي‏"‏ وَ‏"‏ نِلْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مَنِيلٌ ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ إِذَا كُنْتَ تَنَالُهُ بِيَدِكَ، وَلَيْسَ مِنَ ‏"‏التَّنَاوُلِ ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ أَن‏"‏ التَّنَاوُلَ ‏"‏مِن‏"‏ النَّوَالِ ‏"‏يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ نُلْتُ لَهُ، أَنُولُ لَهُ ‏"‏ مِنَ الْعَطِيَّةِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏النَّيْل‏"‏ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏نَالَنِي بِخَيْرٍ يَنُولُنِي نَوَالًا‏"‏ وَ‏"‏ أَنَالَنِي خَيْرًا إِنَالَةً ‏"‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ كَأَنَّ ‏"‏النَّيْل‏"‏ مِنَ الْوَاوِ أُبْدِلَتْ يَاءً لِخِفَّتِهَا وَثِقَلِ الْوَاوِ‏.‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تُصَحِّحَ الْوَاوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، إِذَا سَكَنَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، كَقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏الْقَوْل‏"‏ وَ‏"‏ الْعَوْلُ ‏"‏وَ‏"‏ الْحَوْل‏"‏ وَلَوْ جَازَ مَا قَالَ‏:‏ لَجَازَ ‏"‏ الْقَيْلُ ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْلِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأ‏"‏ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَ ‏{‏وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا‏}‏ ‏{‏وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً‏}‏، فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏{‏وَلَا يَقْطَعُونَ‏}‏، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوِهِ ‏(‏وَادِيًا‏)‏ إِلَّا كَتَبَ لَهُمْ أَجْرَ عَمَلِهِمْ ذَلِكَ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَيْهِ، كَأَحْسَنِ مَا يَجْزِيهِمْ عَلَى أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ مَا ازْدَادَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بُعْدًا إِلَّا ازْدَادُوا مِنَ اللَّهِ قُرْبًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَمْ يَكُنِ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْكَافَّة‏"‏ بِشَوَاهِدِهِ، وَأَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا ‏"‏النَّفَر‏"‏ الَّذِي كَرِهَهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَهُوَ نَفَرٌ كَانَ مِنْ قَوْمٍ كَانُوا بِالْبَادِيَةِ، بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏، انْصَرَفُوا عَنِ الْبَادِيَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَمِمَّنْ عُنِيَ بِالْآيَةِ‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ عُذْرَهُمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، وَكَرِهَ انْصِرَافَ جَمِيعِهِمْ مِنَ الْبَادِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا فِي الْبَوَادِي، فَأَصَابُوا مِنَ النَّاسِ مَعْرُوفًا، وَمِنَ الْخِصْبِ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَدَعُوا مَنْ وَجَدُوا مِنَ النَّاسِ إِلَى الْهُدَى، فَقَالَ النَّاسُ لَهُمْ‏:‏ مَا نَرَاكُمْ إِلَّا قَدْ تَرَكْتُمْ أَصْحَابَكُمْ وَجِئْتُمُونَا‏!‏ فَوَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ حَرَجًا، وَأَقْبَلُوا مِنَ الْبَادِيَةِ كُلُّهُمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، يَبْتَغُونَ الْخَيْرَ ‏(‏لِيَتَفَقَّهُوا‏)‏، وَلِيَسْمَعُوا مَا فِي النَّاسِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهُمْ ‏{‏وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ‏}‏، النَّاسَ كُلَّهُمْ ‏{‏إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يُحَذِّرُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَثَلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، خَرَجَ بَعْضٌ، وَقَعَدَ بَعْضٌ يَبْتَغُونَ الْخَيْرَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ مَا نَرَاكُمْ إِلَّا قَدْ تَرَكْتُمْ صَاحِبَكُمْ‏!‏ وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لِيَتَفَقَّهُوا‏)‏، لِيَسْمَعُوا مَا فِي النَّاسِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا إِلَى عَدُوِّهِمْ، وَيَتْرُكُوا نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، قَالَ‏:‏ لِيَذْهَبُوا كُلُّهُمْ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ حَيٍّ وَقَبِيلَةٍ طَائِفَةٌ، وَتَخَلَّفَ طَائِفَةٌ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏، لِيَتَفَقَّهَ الْمُتَخَلِّفُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرَ الْمُتَخَلِّفُونَ النَّافِرِينَ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يُحْذَرُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا، وَيَتْرُكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، يَعْنِي عُصْبَةً، يَعْنِي السَّرَايَا، وَلَا يَتَسَرَّوْا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِذَا رَجَعَتِ السَّرَايَا وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهُمْ قُرْآنٌ، تَعَلَّمَهُ الْقَاعِدُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ بَعْدَكُمْ قُرْآنًا، وَقَدْ تَعَلَّمْنَاهُ ‏"‏‏.‏ فَيَمْكُثُ السَّرَايَا يَتَعَلَّمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِمْ بَعْدَهُمْ، ‏[‏وَيَبْعَثُ سَرَايَا أُخَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏، يَقُولُ يَتَعَلَّمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ‏]‏، وَيُعَلِّمُوا السَّرَايَا إِذَا رَجَعَتْ

إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا إِذَا بَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ الْجُيُوشَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُعَرُّوا نَبِيَّهُ، وَتُقِيمَ طَائِفَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَتَنْطَلِقُ طَائِفَةٌ تَدْعُو قَوْمَهَا، وَتُحَذِّرُهُمْ وَقَائِعَ اللَّهِ فِيمَنْ خَلَا قَبْلَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏ الْآيَةَ، كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا غَزَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، إِلَّا أَهْلَ الْعُذْرِ‏.‏ وَكَانَ إِذَا أَقَامَ فَأَسْرَتِ السَّرَايَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَنْطَلِقُوا إِلَّا بِإِذْنِهِ‏.‏ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْرَى فَنَزَلَ بَعْدَهُ قُرْآنٌ، تَلَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ الْقَاعِدِينَ مَعَهُ‏.‏ فَإِذَا رَجَعَتِ السَّرِيَّةُ، قَالَ لَهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنِ اللَّهَ أَنْزَلَ بَعْدَكُمْ عَلَى نَبِيِّهِ قُرْآنًا‏"‏ فَيُقْرِئُونَهُمْ وَيُفَقِّهُونَهُمْ فِي الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا وَنَبِيُّ اللَّهِ قَاعِدٌ، وَلَكِنْ إِذَا قَعَدَ نَبِيُّ اللَّهِ، تَسَرَّتِ السَّرَايَا، وَقَعَدَ مَعَهُ عُظْمُ النَّاسِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَفَرُوا بِمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَنْفِرْ جَمِيعُهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ مُنَافِقُونَ‏.‏ وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، لَنَفَرَ بَعْضٌ لِيَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرَ قَوْمَهُ إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْجِهَادِ، وَلَكِنْ لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُضَرَ بِالسِّنِينَ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، وَكَانَتِ الْقَبِيلَةُ مِنْهُمْ تُقْبِلُ بِأَسْرِهَا حَتَّى يَحِلُّوا بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ، وَيَعْتَلُّوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ كَاذِبُونَ، فَضَيَّقُوا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْهَدُوهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ، فَرَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى عَشَائِرِهِمْ، وَحَذَّرَ قَوْمَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏، «قَالَ‏:‏ كَانَ يَنْطَلِقُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ عِصَابَةٌ، فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَهُ مِنْ دِينِهِمْ، وَيَتَفَقَّهُونَ فِي دِينِهِمْ، وَيَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّهِ‏:‏ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، وَأَخْبِرْنَا مَا نَقُولُ لِعَشَائِرِنَا إِذَا انْطَلَقْنَا إِلَيْهِمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَيَأْمُرُهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيَبْعَثُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ‏.‏ وَكَانُوا إِذَا أَتَوْا قَوْمَهُمْ نَادَوْا‏:‏ ‏"‏إِنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ مِنَّا‏"‏ وَيُنْذِرُونَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعَرِّفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ‏.‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُمْ وَيُنْذِرُونَ قَوْمَهُمْ‏.‏ فَإِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ، يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُنْذِرُونَهُمُ النَّارَ، وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِالْجَنَّة»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِمُنَافِقِينَ أَزْرَوْا بِأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، فِي تَخَلُّفِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ مِمَّنْ قَدْ عَذَرَهُ اللَّهُ بِالتَّخَلُّفِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلْتُ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏، قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ‏:‏ هَلَكَ مَنْ تَخَلَّفَ‏!‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏، وَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏سُورَةُ الشُّورَى‏:‏ 16‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 39‏]‏، وَ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏، قَالَ الْمُنَافِقُونَ‏:‏ هَلَكَ أَصْحَابُ الْبَدْوِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَنْفِرُوا مَعَهُ‏!‏ وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا إِلَى الْبَدْوِ، إِلَى قَوْمِهِمْ يُفَقِّهُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏، وَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ ‏"‏ عُنِيَ بِذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ نَفَرِ الْجَمِيعِ فِي السَّرِيَّةِ، وَتَرْكِ

النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ ‏"‏ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهِ الْجَمَاعَةُ الْمُتَخَلِّفَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ فَهَلَّا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ طَائِفَةٌ لِلْجِهَادِ، لِيَتَفَقَّهَ الْمُتَخَلِّفُونَ فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمُ الَّذِينَ نَفَرُوا فِي السَّرِيَّةِ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مَنْ غَزْوِهِمْ‏؟‏ وَذَلِكَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنْهُ، مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَدْ‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ لِيَتَفَقَّهَ الَّذِينَ قَعَدُوا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ‏{‏وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِيُنْذِرُوا الَّذِينَ خَرَجُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، قَالَا‏:‏ كَافَّةً، وَيَدَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لِتَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ دُونَ الْمُتَخَلِّفَةِ، وَتُحَذِّرَ النَّافِرَةُ الْمُتَخَلِّفَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِيَتَفَقَّهَ الَّذِينَ خَرَجُوا، بِمَا يُرِيهِمُ اللَّهُ مِنَ الظُّهُورِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالنُّصْرَةِ، وَيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا وَيَتْرُكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ نَهَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَخْرُجُوا فِي غَزْوٍ وَجِهَادٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَيَدَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِيدًا‏.‏ وَلَكِنَّ عَلَيْهِمْ إِذَا سَرَّى رَسُولُ اللَّهِ سَرِيَّةً أَنْ يَنْفِرَ مَعَهَا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ ‏(‏طَائِفَةٌ‏)‏، وَذَلِكَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى مَا بَلَغَ مِنَ الْعَدَدِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَهَلَّا نَفَرَ مَنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ‏؟‏ وَهَذَا إِلَى هَاهُنَا، عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَظَرَ التَّخَلُّفَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ، لِغَيْرِ عُذْرٍ يُعْذَرُونَ بِهِ، إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ لِغَزْوٍ وَجِهَادِ عَدُوٍّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ إِذْ كَانَ قَدْ عَرَّفَهُمْ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا اللَّازِمَ لَهُمْ مِنْ فَرْضِ النَّفَرِ، وَالْمُبَاحَ لَهُمْ مِنْ تَرْكِهِ فِي حَالِ غَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشُخُوصِهِ عَنْ مَدِينَتِهِ لِجِهَادِ عَدُوٍّ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَلُّفُ خِلَافَهُ إِلَّا لِعُذْرٍ، بَعْدَ اسْتِنْهَاضِهِ بَعْضَهُمْ وَتَخْلِيفِهِ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَقِيبَ تَعْرِيفِهِمْ ذَلِكَ، تَعْرِيفُهُمُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَدِينَتِهِ،

وَإِشْخَاصِ غَيْرِهِ عَنْهَا، كَمَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِتَعْرِيفِهِمُ الْوَاجِبَ عِنْدَ شُخُوصِهِ وَتَخْلِيفِهِ بَعْضَهُمْ‏.‏

وَأَمَّاقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏}‏، فَإِنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ لِيَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ بِمَا تُعَايِنُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ أَهْلَ دِينِهِ وَأَصْحَابَ رَسُولِهِ، عَلَى أَهْلِ عَدَاوَتِهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، فَيَفْقَهُ بِذَلِكَ مِنْ مُعَايَنَتِهِ حَقِيقَةَ عِلْمِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَظُهُورِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ- مَنْ لَمْ يَكُنْ فَقِهَهُ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ فَيُحَذِّرُوهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ مِثْلَ الَّذِي نَزَلَ بِمَنْ شَاهَدُوا وَعَايَنُوا مِمَّنْ ظَفِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ مَنْ أَهْلِ الشِّرْكَ إِذَا هُمْ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مَنْ غَزْوِهِمْ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَعَلَّ قَوْمَهُمْ، إِذَا هُمْ حَذَّرُوهُمْ مَا عَايَنُوا مِنْ ذَلِكَ، يَحْذَرُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَذَرًا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالَّذِينِ أُخْبِرُوا خَبَرَهُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ، لِأَنَّ ‏"‏النَّفَر‏"‏ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ صِلَةٍ بِشَيْءٍ- أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنَ الْمَعَانِي فِيهِ، وَكَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏، عَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏لِيَتَفَقَّهُوا‏)‏، إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَرِ لَا لِغَيْرِهِ، إِذْ كَانَ يَلِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ لِيَتَفَقَّهَ الْمُتَخَلِّفُونَ فِي الدِّينِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ نُنْكِرُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَتِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرَ الطَّائِفَةِ النَّافِرَةِ، لَوْ كَانَ سَبَبًا لَتَفَقُّهِ الْمُتَخَلِّفَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا مَعَهُمْ سَبَبًا لِجَهْلِهِمْ وَتَرْكِ التَّفَقُّهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ

مَقَامَهُمْ لَوْ أَقَامُوا وَلَمْ يَنْفِرُوا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِمَنْعِهِمْ مِنَ التَّفَقُّهِ‏.‏

وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏}‏، عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏}‏، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّائِفَةَ النَّافِرَةَ لَمْ يَنْفِرُوا إِلَّا وَالْإِنْذَارُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهَا، وَلِلْإِنْذَارِ وَخَوْفِ الْوَعِيدِ نَفَرَتْ، فَمَا وَجْهُ إِنْذَارِ الطَّائِفَةِ الْمُتَخَلِّفَةِ الطَّائِفَةَ النَّافِرَةَ، وَقَدْ تَسَاوَتَا فِي الْمَعْرِفَةِ بِإِنْذَارِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا‏؟‏ وَلَوْ كَانْتُ إِحْدَاهُمَا جَائِزٌ أَنْ تُوصَفَ بِإِنْذَارِ الْأُخْرَى، لَكَانَ أَحَقَّهُمَا بِأَنْ يُوصَفَ بِهِ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ، لِأَنَّهَا قَدْ عَايَنْتُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، مَا لَمْ تُعَايِنِ الْمُقِيمَةُ‏.‏ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّهَا تُنْذِرُ مِنْ حَيِّهَا وَقَبِيلَتِهَا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ‏:‏ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا أُنْزِلَ بِمَنْ عَايَنَتْهُ مِمَّنْ أَظْفَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُظَرَائِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ‏:‏ ‏"‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَاتِلُوا مَنْ وَلِيَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ دُونَ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ‏.‏ يَقُولُ لَهُمْ‏:‏ ابْدَءُوا بِقِتَالِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إِلَيْكُمْ دَارًا، دُونَ الْأَبْعَدِ فَالْأَبْعَدِ‏.‏ وَكَانَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَوْمَئِذٍ، الرُّومَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا سُكَّانَ الشَّأْمِ يَوْمَئِذٍ، وَالشَّأْمُ كَانْتُ أَقْرَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْعِرَاقِ‏.‏ فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْبِلَادَ، فَإِنَّ الْفَرْضَ عَلَى

أَهْلِ كُلِّ نَاحِيَةٍ قِتَالُ مَنْ وَلِيَهُمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ دُونَ الْأَبْعَدِ مِنْهُمْ، مَا لَمْ يَضْطَرْ إِلَيْهِمْ أَهْلُ نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ نَوَاحِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَإِنِ اضْطَرُّوا إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُمْ عَوْنُهُمْ وَنَصْرُهُمْ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ‏.‏

وَلِصِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَأَوَّلَ كُلُّ مَنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّ مَعْنَاهَا إِيجَابُ الْفَرْضِ عَلَى أَهْلِ كُلِّ نَاحِيَةٍ قِتَالَ مَنْ وَلِيَهُمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ الْبَارِقِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ قِتَالِ الدَّيْلَمِ قَالَ‏:‏ عَلَيْكَ بِالرُّومِ‏!‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالُوا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الدَّيْلَمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ قِتَالِ الرُّومِ وَالدَّيْلَمِ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَخِي قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقُلْتُ‏:‏ مَا تَرَى فِي قِتَالِ الدَّيْلَمِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏

قَاتِلُوهُمْ وَرَابِطُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّأْمِ وَالدَّيْلَمِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏، الدَّيْلَمِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولَانِ‏:‏ يُرَابِطُ كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ مِنْ مَسَالِحِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَتَأَوَّلَانِ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ الْعَرَبُ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ‏.‏ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏، حَتَّى بَلَغَ، ‏{‏وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 29‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ، أَمَرَهُ بِجِهَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَجِهَادُهُمْ أَفْضَلُ الْجِهَادِ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَلْيَجِدُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ تُقَاتِلُونَهُمْ ‏(‏فِيكُمْ‏)‏، أَيْ‏:‏ مِنْكُمْ شِدَّةً عَلَيْهِمْ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَيْقِنُوا عِنْدَ قِتَالِكُمْ إِيَّاهُمْ أَنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ، وَهُوَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِنِ اتَّقَيْتُمُ اللَّهَ وَخِفْتُمُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ مَنِ اتَّقَاهُ وَمُعِينُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادْتُهُ هَذِهِ إِيمَانًافَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَنْ يَقُولُ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّكُمْ زَادْتُهُ هَذِهِ السُّورَةُ إِيمَانًا‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ تَصْدِيقًا بِاللَّهِ وَبِآيَاتِهِ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏، مِنَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ ‏(‏فَزَادَتْهُمْ‏)‏، السُّورَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ ‏(‏إِيمَانًا‏)‏، وَهُمْ يَفْرَحُونَ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَوَلَيْسَ ‏"‏الْإِيمَان‏"‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ بَلَى‏!‏

فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَكَيْفَ زَادَتْهُمُ السُّورَةُ تَصْدِيقًا وَإِقْرَارًا‏؟‏

قِيلَ‏:‏ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا حِينَ نَزَلَتْ، لِأَنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ السُّورَةُ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُمْ فَرْضُ الْإِقْرَارِ بِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا بِعَيْنِهَا، إِلَّا فِي جُمْلَةِ إِيمَانِهِمْ بِأَنَّ كُلَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَحَقٌّ‏.‏ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ، لَزِمَهُمْ فَرْضُ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهَا بِعَيْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْإِيمَانِ بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادَتْهُمْ نُزُولُ السُّورَةِ حِينَ نَزَلَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ إِذَا نَزَلَتْ سُورَةٌ آمَنُوا بِهَا، فَزَادَهُمُ اللَّهُ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، وَكَانُوا يَسْتَبْشِرُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏}‏، قَالَ‏:‏ خَشْيَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْتَأْوِيلهَا وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏، نِفَاقٌ وَشَكٌّ فِي دِينِ اللَّهِ، فَإِنَّ السُّورَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ ‏{‏زَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا وَلَمْ يُصَدِّقُوا، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةَ شَكٍّ حَادِثَةٍ فِي تَنْزِيلِ اللَّهِ، لَزِمَهُمُ الْإِيمَانُ بِهِ عَلَيْهِمْ، بَلِ ارْتَابُوا بِذَلِكَ، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةَ نَتْنٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، إِلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ نَظِيرُهُ مِنَ النَّتْنِ وَالنِّفَاقِ‏.‏ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ‏}‏ ‏(‏وَمَاتُوا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ هَلَكُوا ‏(‏وَهُمْ كَافِرُونَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏126‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ‏}‏‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ‏}‏، بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَوَلَا يَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضُ النِّفَاقِ‏؟‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ حَمْزَةُ‏:‏ ‏"‏ أَوَلَا تَرَوْنَ ‏"‏، بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَوَلَا تَرَوْنَ أَنْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْيَاءُ، عَلَى وَجْهِ التَّوْبِيخِ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ، وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا‏:‏ أَوَلَا يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَعْوَامِ مَرَّةً، وَفِي بَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ ‏{‏ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ هُمْ مَعَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ، وَالِاخْتِبَارِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُمْ، لَا يُنِيبُونَ مِنْ نِفَاقِهِمْ، وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَلَا هُمْ يَتَذَكَّرُونَ بِمَا يَرَوْنَ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَيُعَايِنُونَ مِنْ آيَاتِهِ، فَيَتَّعِظُوا بِهَا، وَلَكِنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى نِفَاقِهِمْ‏؟‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ‏"‏الْفِتْنَة‏"‏ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يُفْتَنُونَ بِهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ اخْتِبَارُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالْقَحْطِ وَالشِّدَّةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالسَّنَةِ وَالْجُوعِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يُفْتَنُونَ‏)‏، قَالَ‏:‏ يُبْتَلَوْنَ ‏{‏فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالسَّنَةِ وَالْجُوعِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يُبْتَلَوْنَ بِالْعَذَابِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالسَّنَةِ وَالْجُوعِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّهُمْ يُخْتَبَرُونَ بِالْغَزْوِ وَالْجِهَادِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يُبْتَلَوْنَ بِالْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّهُمْ يُخْتَبَرُونَ بِمَا يُشِيعُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَفْتَتِنُ بِذَلِكَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ‌‌‌‌، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ حُذَيْفَةَ‏:‏ ‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كُنَّا نَسْمَعُ فِي كُلِّ عَامٍ كَذْبَةً أَوْ كَذْبَتَيْنِ، فَيَضِلُّ بِهَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ لَهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ كَذْبَةٌ أَوْ كَذْبَتَانِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَجَّبَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَوَبَّخَ الْمُنَافِقِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِقِلَّةِ تَذَكُّرِهِمْ، وَسُوءِ تَنَبُّهِهِمْ لِمَوَاعِظِ اللَّهِ الَّتِي يَعِظُهُمْ بِهَا‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَوَاعِظَ الشَّدَائِدَ الَّتِي يُنْزِلُهَا بِهِمْ مِنَ الْجُوعِ وَالْقَحْطِ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مَا يُرِيهِمْ مِنْ نُصْرَةِ رَسُولِهِ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، وَيَرْزُقُهُ مِنْ إِظْهَارِ كَلِمَتِهِ عَلَى كَلِمَتِهِمْ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مَا يَظْهَرُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ نِفَاقِهِمْ وَخُبْثِ سَرَائِرِهِمْ، بِرُكُونِهِمْ إِلَى مَا يَسْمَعُونَ مِنْ أَرَاجِيفِ الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَلَا خَبَرَ يُوجِبُ صِحَّةَ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏.‏ وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ التَّسْلِيمِ لِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ وَهُوَ‏:‏ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُخْتَبَرُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، بِمَا يَكُونُ زَاجِرًا لَهُمْ، ثُمَّ لَا يَنْزَجِرُونَ وَلَا يَتَّعِظُونَ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ‏}‏، مِنَ الْقُرْآنِ، فِيهَا عَيْبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ‏}‏، فَتُنَاظَرُوا ‏{‏هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ‏}‏، إِنْ تَكَلَّمْتُمْ أَوْ تَنَاجَيْتُمْ بِمَعَايِبِ الْقَوْمِ يُخْبِرُهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَامُوا فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا قِرَاءَةَ السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا مَعَايِبُهُمْ‏.‏ ثُمَّ ابْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏}‏، فَقَالَ‏:‏ صَرَفَ اللَّهُ عَنِ الْخَيْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قُلُوبَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ هَذَا الْخُذْلَانَ، وَصَرَفَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْخَيِّرَاتِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ مَوَاعِظَهُ، اسْتِكْبَارًا وَنِفَاقًا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْجَالِبِ حَرْفَ الِاسْتِفْهَامِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، قَالَ‏:‏ ‏{‏نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ‏}‏، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض‏"‏ لِأَنَّ نَظَرَهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَانَ إِيمَاءً وَشَبِيهًا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ إِنَّمَا هُوَ‏:‏ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ هَلْ يَرَاكُمْ مَنْ أَحَدٍ‏؟‏

وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ‏:‏ هَذَا ‏"‏النَّظَر‏"‏ لَيْسَ مَعْنَاهُ ‏"‏الْقَوْل‏"‏ وَلَكِنَّهُ النَّظَرُ الَّذِي يَجْلِبُ الِاسْتِفْهَامَ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ‏:‏ ‏"‏تَنَاظَرُوا أَيُّهُمْ أَعْلَم‏"‏ وَ‏"‏ اجْتَمَعُوا أَيُّهُمْ أَفْقَهُ ‏"‏ أَيْ‏:‏ اجْتَمَعُوا لِيَنْظُرُوا فَهَذَا الَّذِي يَجْلِبُ الِاسْتِفْهَامَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَا تَقُولُوا‏:‏ ‏"‏انْصَرَفْنَا مِنَ الصَّلَاة‏"‏ فَإِنَّ قَوْمًا انْصَرَفُوا فَصَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا‏:‏ ‏"‏ قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ ‏"‏‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ الثَّعْلَبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَا تَقُولُوا‏:‏ ‏"‏انْصَرَفْنَا مِنَ الصَّلَاة‏"‏ فَإِنَّ قَوْمًا انْصَرَفُوا فَصَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَا تَقُولُوا‏:‏ ‏"‏انْصَرَفْنَا مِنَ الصَّلَاة‏"‏ فَإِنَّ قَوْمًا انْصَرَفُوا فَصَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا‏:‏ ‏"‏ قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ هُمُ الْمُنَافِقُونَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ‏}‏، مِمَّنْ

سَمِعَ خَبَرَكُمْ، رَآكُمْ أَحَدٌ أَخْبَرَهُ‏؟‏ إِذَا نَزَلَ شَيْءٌ يُخْبِرُ عَنْ كَلَامِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادْتُهُ هَذِهِ إِيمَانًا‏}‏، حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ‏}‏ أَخْبَرَهُ بِهَذَا‏؟‏ أَكَانَ مَعَكُمْ أَحَدٌ‏؟‏ سَمِعَ كَلَامَكُمْ أَحَدٌ يُخْبِرُهُ بِهَذَا‏؟‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَا تَقُلْ‏:‏ ‏"‏انْصَرَفْنَا مِنَ الصَّلَاة‏"‏ فَإِنَّ اللَّهَ عَيَّرَ قَوْمًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏}‏، وَلَكِنْ قُلْ‏:‏ ‏"‏ قَدْ صَلَّيْنَا ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْعَرَبِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ‏}‏، أَيُّهَا الْقَوْمُ، رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ‏{‏مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، تَعْرِفُونَهُ، لَا مِنْ غَيْرِكُمْ، فَتَتَّهِمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي النَّصِيحَةِ لَكُمْ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، أَيْ‏:‏ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ، وَهُوَ دُخُولُ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ وَالْمَكْرُوهِ وَالْأَذَى ‏{‏حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ حَرِيصٌ عَلَى هُدَى ضُلَّالِكُمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ ‏{‏بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ‏}‏‏:‏ أَيُّ رَفِيقٌ ‏(‏رَحِيمٌ‏)‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ شِرْكٍ فِي وِلَادَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ وِلَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاح»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يَحْسُدُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا ضَلَلْتُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظَهِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا ضَلَلْتُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُ مُؤْمِنِكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُ مُؤْمِنِهِمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ أَنَّهُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتَ قَوْمُهُ، وَلَمْ يُخَصِّصْ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ‏.‏ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏[‏كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ مِنَ‏]‏ اللَّهِ بِهِ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُ جَمْعِهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ كَانَ عَزِيزًا عَلَيْهِ عَنَتُ جَمِيعِهِمْ، وَهُوَ يَقْتُلُ كُفَّارَهُمْ، وَيَسْبِي ذَرَارِيهِمْ، وَيَسْلُبُهُمْ أَمْوَالَهُمْ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ إِسْلَامَهُمْ، لَوْ كَانُوا أَسْلِمُوا، كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ إِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ، حَتَّى يَسْتَحِقُّوا ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ‏.‏ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ عَزِيزًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتُوا مَا يَعْنِتَهُمْ، وَذَلِكَ أَنْ يَضِلُّوا فَيَسْتَوْجِبُوا الْعَنَتَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَا عَنِتُّمْ‏)‏، فَإِنَّهُ رُفِعَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ‏}‏، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُ‏:‏ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا قَدْ بَيَّنْتُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏}‏، حَرِيصٌ عَلَى ضَالِّهِمْ أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَرِيصٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ أَنْ يُسْلِمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُتَأْوِيلهَا وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِنْ تَوَلَّى، يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جِئْتَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ مِنْ قَوْمِكَ، فَأَدْبَرُوا عَنْكَ وَلَمْ يَقْبَلُوا مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ فِي اللَّهِ، وَمَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ النُّورِ وَالْهُدَى ‏{‏فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ‏}‏، يَكْفِينِي رَبِّي ‏{‏لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏}‏، لَا مَعْبُودَ سِوَاهُ ‏{‏عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏}‏، وَبِهِ وَثِقْتُ، وَعَلَى عَوْنِهِ اتَّكَلْتُ، وَإِلَيْهِ وَإِلَى نَصْرِهِ اسْتَنَدْتُ، فَإِنَّهُ نَاصِرِي وَمُعِينِي عَلَى مَنْ خَالَفَنِي وَتَوَلَّى عَنِّي مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ مِنَ النَّاسِ ‏{‏وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏، الَّذِي يَمْلِكُ كُلَّ مَا دُوْنَهُ، وَالْمُلُوكُ كُلُّهُمْ مَمَالِيكُهُ وَعَبِيدُهُ‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى بِوَصْفِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْخَبَرَ عَنْ جَمِيعِ مَا دُونَهُ أَنَّهُمْ عَبِيدُهُ، وَفِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، لِأَنَّ ‏"‏الْعَرْشَ الْعَظِيم‏"‏ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُلُوكَ، فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ‏"‏ذُو الْعَرْش‏"‏ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مَنْ دُونَهُ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ، جَارٍ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ‏}‏، يَعْنِي الْكُفَّارُ تَوَلَّوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَهَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ عُمَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ آيَةً فِي الْمُصْحَفِ حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ‏}‏، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ لَا أَسْأَلُكَ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةً أَبَدًا، كَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ يُحِبُّ كُلَّ رَحِيمٍ، يَضَعُ رَحْمَتَهُ عَلَى كُلِّ رَحِيمٍ‏.‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَرْحَمُ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا- قَالَ‏:‏ وَأَرَاهُ قَالَ‏:‏ وَأَزْوَاجَنَا‏؟‏- قَالَ‏:‏ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ كُونُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏ أَرَاهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ‏:‏ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ‏:‏ أَحْدَثُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِاللَّهِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏، إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ أَحْدَثُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِاللَّهِ الْآيَتَانِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ‏.‏

سُورَةُ يُونُسَ

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الر‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَأْوِيلُهُ‏:‏ أَنَا اللَّهُ أَرَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ بْنِ مَيْمُونٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏ أَنَا اللَّهُ أَرَى‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏، قَالَ‏:‏ أَنَا اللَّهُ أَرَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ حُرُوفٌ مِنَ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ “ الرَّحْمَنُ “‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شبَّوَيْهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏ وَ‏(‏حم‏)‏ وَ‏(‏نُونْ‏)‏ حُرُوفُ “ الرَّحْمَنِ “ مُقَطَّعَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏ وَ‏(‏حم‏)‏ وَ‏(‏نُونْ‏)‏، فَقَالَ‏:‏ اسْمُ “ الرَّحْمَنِ “ مَقْطَعٌ ثُمَّ قَالَ‏:‏ “ الرَّحْمَنُ “‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَنْدَلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏ وَ‏(‏حم‏)‏ وَ‏(‏نُونْ‏)‏، هُوَ اسْمُ “ الرَّحْمَنِ “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ اِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَامِرٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏ وَ‏(‏حم‏)‏ وَ‏(‏ص‏)‏، قَالَ‏:‏ هِيَ أَسْمَاءٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ مُقَطَّعَةٌ بِالْهِجَاءِ، فَإِذَا وَصَلْتَهَا كَانَتِ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ، وَمَا إِلَيْهِ ذَهَبَ كُلُّ قَائِلٍ فِي الَّذِي قَالَ فِيهِ وَمَا الصَّوَابُ لَدَيْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي نَظِيرِهِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ “ سُورَةِ الْبَقَرَةِ “ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا، لِمُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي هَذَا، وَقَوْلَهُ فِي ‏(‏الم‏)‏، فَأَمَّا الَّذِينَ وَفَّقُوا بَيْنَ مَعَانِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ هُنَاكَ، مكتفًي عَنِ الْإِعَادَةِ هَا هُنَا‏.‏